اشتقت لك يا محمد

تدحرج جسدك أمام السيارة المندفعة..تماما كما تتدحرج الكرة..
تيبست أطرافي..جف ريقي..بالكاد خرج الصوت من حنجرتي..وربما لم يخرج من شفتي..
– مـ…حـ…مـ…د..
توقفت السيارة..جرى الناس إليك..وأنت هناك..تتسع حولك دائرة من الدماء..
رددت اسمك مرات ومرات..ثم انطلقت إليك أصرخ مرعوبا..كنت خائفا عليك..
– يا أخي..
احتواني شخص ما..لا أعرف من هو..ولا أعرف لماذا منعني من رؤيتك والاقتراب منك..حاولت الإفلات من بين يديه باكيا:
– ولكنه أخي..اتركني لأرى ما حل بأخي…
***
تتثاقل الساعات..تتمطى..وفود من الناس تنزف إلى داخل البيت كالجرح الغائر..
أمي في مجلس النساء تبكي..وكلما اقتربت منها احتضنتني بين يديها وعلا نحيبها..وجدتي بجوارها تحاول تهدئتها..
أبي يعلو وجهه شيء أشبه بالظلام..وكأنه القمر ليلة الخسوف
وأنا..
أرقب الباب..
أنتظرك..
أتضجر من الانتظار..أذهب إلى أبي..أسأله عنك فيقصي وجهه القمري بعيدا عني..جعلت فداك يا أبي أتنتظر محمدا مثلي؟
– أبي..متى ستحضر محمدا من المستشفى؟
تأملني قليلا..تساقطت دموعه..
أصابني الذهول..همست إليه لكي لا يسمعني أحد سواه:
– أبي..أنت تقول دائما:الرجال لا يبكون..
يزداد بكاؤه..فهو حزين من أجلك يا أخي..
يأخذ نفسا عميقا..
يرفع ظهره..
ثم يعود لينحني..ويبكي..
– محمد..لن يعود..
محمد..أخي..جزء من حياتي لن يعود؟
دفنت جسدي في حضن أبي..وبكيت..ما أشد مرارة فراقك..لا بد أن أبكي..فالرجال أحيانا يبكون..
سأفقدك يا محمد..
***
وقفت على باب غرفة نومنا..مددت جسدي لأمنعهم من الخروج بسريرك..يريدون أن يمحوا كل ذكرياتك من حياتي..
احمر وجهي..عقدت حاجبي..زأرت كالأسد..
– لن تخرجوا بشيء يخص محمد..
تستسلم خالتي..وتترك سريرك مبتسمة ثم تشير إلى الخادمة:
– لندع السرير دام أنه لا يريد منا أن نأخذه..
وفي المساء..عندما عدت إلى غرفتي..لم أجد سريرك يا محمد..
لم أجد مكتبك..
ألعابك..
ثيابك..
حتى صورة السيارة التي كنت تتمنى شراءها عندما تكبر..لم يعد لها أي وجود..
بكيت متألما..وأقسمت بيني وبين نفسي بأنني لن أنساك ما حييت يا محمد..
***
هل تصدق..لقد صارت أمي تصلي كثيرا..تعانق السجادة في كل حين..إنها تحبك بعمق..تدعو لك بالجنة..وتدعو لنا بالصبر والسلوان..
سألتها:
– ما السلوان يا أمي؟
– إنه النسيان يا صغيري..
-ولكنني لا أريد أن أنسى أخي..
– ولن ننساه..ولكن سننسى ألم فقده..
صرت أصلي دائما لكي أنسى ألم فقدك..
هل تصدق؟منذ أن رحلت صارت تناديني أمي (يا صغيري)؟
***
ذهبت إلى المدرسة وحدي..ألصقت جسدي بالجدار..أسحب قدمي على الأرض..يمزقني الخوف..من لي بعدك يا محمد؟
كنت تحميني من طلاب الصف السادس عندما يحاولون التندر علي لأنني لا أجيد نطق الراء..
كنت تسعى إلى المدرسين من أجلي لكي يرفعوا درجاتي ويهتموا بأمري..
كنت تبحث عني في الفسحة لتقدم لي عصيرك إن لم أستطع شراء العصير من الزحام..
كنت تبحث عني عند انتهاء الحصص لكي تأخذني إلى البيت..
انزويت بعيدا عن الأعين..وبكيت كثيرا..
فقد فقدتك يا محمد..
***
لقد كبرت يا محمد..صرت رجلا..عمري الآن اثنا عشرة سنة..
لازلت أذكرك..
وأفتقدك..
ولكنني أبتسم..
تعلمنا أن نبتسم بدونك؟هل يمكنك أن تصدق ذلك؟فقد علمتنا الحياة أن نبتسم..فكلنا لا محالة زائلون..
تزداد ابتسامتي اتساعا عندما أتخيلك سعيدا في الجنة..
أسأل الله أن يجمعني بك..
وحتى ذلك اليوم..لا أريد أن ألقاك فارغ اليدين..
أود أن أقدم لك هدية ثمينة..ثمينة جدا..
ولذلك..
تجدني ألح في الدعاء دائما..وفي كل صلاة..
اللهم اغفر لي ولمحمد..
أملأ يدي متصدقا..نصف مني..ونصف منك يا محمد..
***
عمري الآن خمس وعشرون سنة..
أصبح عندي طفل جميل مثلك..يشبهك كثيرا..
هل تظن بأنني نسيت شكلك..
كلا وربي..
فهو محفور في قلبي..
وأسميت طفلي (محمد)
ولكن ليس على اسمك..
فقد علمتني الحياة أننا قد فقدنا من هو أغلى منك..
فقدنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم..ولذلك أسميت ابني محمد..
جمعنا الله وإياكم به في الفردوس الأعلى من جنته..
ياااااه..كم أنا مشتاق لك يا محمد..
=======

انتقاء / أم نواف
عضوة قسم الإنتاج
فريق جوال الخير
معاً على طريق الخير
تواصل – استفسار – اقتراح
www.jawalk.ws
الإصدار النسائي الرابع
للاشتراك في خدمة رسائل فريق جوال الخير
أرسل حرف م إلى 802226 stc.
يقع مقر فريق جوال الخير في مكتب الدعوة بحي الروضة في الرياض.
هاتف:
012492727
فاكس:
012401175

لا تنسونا من صالح الدعاء

0

0