ضحية خلاف أسري
لقد حدثت بحادثة يندى لها الجبين، يحدثني بها أحد المعلمون في أحد المدارس فيقول :
ثلاثة أعوام هي تجربتي مع التدريس في أحد المدارس الابتدائية .. قد أنسى الكثير من أحداثها وقصصها إلا قصة فيصل وأخيه .. في يوم من الأيام حضرت إلى المدرسة مبكراً في الساعة السادسة قبل طابور الصباح .. كان يوماً شديد البرودة .. دخلت للمدرسة تفاجأت بمنظر عجيب وجدت طفلين في الساحة في زاوية من زواياها ..
نظرت لهم من بعيد فإذا هما يلبسان ثياب بيضاء والبرد شديد .. إذا بي ألمح فيصل من طلابي في الرابع الابتدائي .. يحتضن أخاه صالح في الصف الأول .. وقد كانا يرتعشان من شدة البرد وقسوته .. منظر لا يمكن أن أصفه وشعور لا يمكن أن أترجمه.. دمعت عيناي من شدة الموقف والمنظر .. ناديته : فيصل من الذي أتى بك في هذا الوقت ؟
ولماذا لم تلبسان لباس يقيكم من البرد ؟ .. أمسكتهم وأخذتهم معي إلى غرفة المكتبة .. أخذتهما وخلعت الجاكيت الذي ألبسه وألبست الصغير ..
أعدت السؤال على فيصل .. ما الذي جاء بك للمدرسة في هذا الوقت المبكر ؟ ومن الذي أحضركما ؟
فقال ببراءة : لا أدري من أحضرنا السائق هو الذي أحضرنا !!
قلت : أين والدك ؟
قال : والدي مسافر إلى الرياض والسائق هو الذي يحضرنا للمدرسة بغياب أبي ..
قلت : وأمك وكيف ألبستكما هذه الملابس الصيفية في هذه الأجواء ؟
لم يجب فيصل وكأنني طعنته بسكين، ثم ألتفت ألي صالح أخوه وقال لي : أمي يا أستاذ في بيت جدتي ..
قلت : في بيت جدتك ولماذا تركتكم ومنذ متى ؟
ثم ألتفيت إلى فيصل وقلت : هل صحيح ما يقوله صالح ؟
قال : نعم يا أستاذ منذ زمن أمي عند أهلها، أبي طلقها وضربها وذهبت وتركتنا، ثم بكوا جميعاً ..
هدأتهم وأنا أشعر بمرارة العذاب، وخشيت أن يفقدان الثقة في أمهما أو أبيهما وقلت : والدتكما تحبكما أليس كذلك ؟
قال فيصل : نعم وأنا أيضاً أحبها وهي تحبنا، ولكن أبي وزوجته لا يشعرون بنا، وبدأ يبكي بكاءً مراً ..
قلت له : ما بهما، لا ترى أمك يا فيصل ؟
قال : لا يا أستاذ لم أراها منذ زمن أنا يا أستاذ مشتاق لها أريدها ..
قلت : ألا يسمح لكما والدكما بالذهاب إلى أمك ؟
قال : والله منذ أن تزوج ونحن لم نراها، لم نراها منذ زمن ..
قلت : يا فيصل زوجة أبيك مثل أمكم وهي تحبكم .. فقاطعني قائلاً : لا والله يا أستاذ لا يوجد مثل أمي، هذه تضربنا ..
قلت : ومن يتابعكم في الدراسة ؟
قال : لا أحد ..
قلت : ومن يجهز لكم الملابس والطعام ؟
قال : الخادمة .. وفي بعض الأحيان أنا أجهز ملابسي
وملابس أخي صالح ..
والله بدأت عيناي بالدموع فلم أحتمل أن أسمع أكثر من معاناتهما .. فحاولت أن أرفع من معنوياتهم ..
قلت : أنت يا فيصل رجل ويعتمد عليك .. بدأ يبكي ويقول : لا أدري يا أستاذ هل أمي حية أم ميته لا أدري ..
فقلت : يا الله ما ذنب الصغيرين ما ذنبهما .. أي قلب يحمل هذا الأب حتى يكون ضحية خلاف أسري وطلاق وفراق ..
أين الرحمة والدين ؟ .. بل أين الإنسانية ؟ .. أسئلة وأسئلة ظلت حائرة في ذهني .. جمعت معلومات عنهما وعن والدتهما وبحثت عنها فأتضح أنها تسكن في الرياض .. فسألت المرشد الطلابي عن والد فيصل ..
فقال : كتبنا له مراراً وتكراراً لكن للأسف لم نجد تجاوب منه .. أتصلت به لكن لا يتجاوب فهو كثير الأسفار والرحلات .. بعد محاولات جاهده حصلت على هاتف أمه .. فأخبرت فيصل بذلك .. تفاجأت منه إذ به يقوم مقدم علي مسرعاً ويقبض على يدي اليمنى ويقبلها ويقول لي :
تكفى يا أستاذ تكفى أنا مشتاق لرؤية أمي .. لكن أرجوك لا تخبر أبي فيضربنا لا تخبره ..
فقلت له : ستكلمها بإذن الله .. لكن بشرط أن تجتهد في دروسك ..
قال : إن شاء الله .. لكن دعني أسمع صوت أمي ..
فا أتصلت في الساعة العاشرة فردت علي إمرأة كبيرة في السن ..
قلت : لها أم فيصل موجوده ؟
قالت : ومن يريدها ؟
قلت : هذه مدرسة فيصل وأنا معلمه ..
قالت : أنا جدته يا ولدي ماذا عن فيصل وصالح ؟
ما أخبارهم ؟ حسبنا الله ونعم الوكيل .. حسبنا الله على من كان سبب في هذا الحرمان .. حسبنا الله على من حرمها ..
هدأتها وعرفت منها بعض معاناة أبنتها .. جاءت أم فيصل المسكينة مسرعة حدثتني وهي تبكي بكاءاً ..
وهي تقول : أستاذ كيف هم بشرني الله يبشرك بالجنة ؟
قلت لها : أطمئني .. لم أسمع إلا بكائها ونشيجها وأنينها ..
قالت : وهي تحاول كتم العبرات أستاذ طلبتك أريد أن أسمع صوتهم
أين هم .. والله منذ خمسة أشهر لم أسمع أصواتهم !!؟
فقلت في نفسي .. يا الله أين حق الأم .. أي قلب يحمله هذا الأب ..
قلت : أبشري ستكلمينهم باستمرار لكن أرجو أن تساعديني في رفع من حزنهم .. أنهم بجانبي وستسمعي أصواتهم ..
وعلينا أن نخبر والدهم بمستواهم .
قالت : والدهم سامحه الله كنت له نعم الزوجة لكن ما أقول إلا سامحه الله .. فأسرع فيصل وقد علم أني أحدث أمه فسحب السماعة مني ..
وقال : أمي .. فتحولت المكالمة إلى بكاء فيصل يبكي وأمه تبكي وأنا أبكي .. تركته بفرغ ألماً ملئ فؤاده .. وشوقاً سكن قلبه .. ثم جاء دور صالح في المكالمة .. الطفل الصغير فكان حديثها معه قصة أخرى .. ولم أسمع من صالح إلا البكاء والأنين بل كان بكاءاً وصراخاً من الطرفين .. ثم أخذت السماعة منه وكأنني أقطع قطعة من جسمي ..
فقالت : سأدعو لك ليلاً ونهاراً لكن لا تحرمني من فيصل وأخيه أرجوك .. ولا تخبر والدهما ..
فتأمل يا أخي .. وتأملي يا أختي : كم أحدث الطلاق من مأساة ومأساة .. وكم من ضياع يحدثه الطلاق ..
مفرغ من
إصدار روائع العبر 1000 دقيقة شيقة
جوال الخير
@Jawalk1
00966558118112
لقد حدثت بحادثة يندى لها الجبين، يحدثني بها أحد المعلمون في أحد المدارس فيقول :
ثلاثة أعوام هي تجربتي مع التدريس في أحد المدارس الابتدائية .. قد أنسى الكثير من أحداثها وقصصها إلا قصة فيصل وأخيه .. في يوم من الأيام حضرت إلى المدرسة مبكراً في الساعة السادسة قبل طابور الصباح .. كان يوماً شديد البرودة .. دخلت للمدرسة تفاجأت بمنظر عجيب وجدت طفلين في الساحة في زاوية من زواياها ..
نظرت لهم من بعيد فإذا هما يلبسان ثياب بيضاء والبرد شديد .. إذا بي ألمح فيصل من طلابي في الرابع الابتدائي .. يحتضن أخاه صالح في الصف الأول .. وقد كانا يرتعشان من شدة البرد وقسوته .. منظر لا يمكن أن أصفه وشعور لا يمكن أن أترجمه.. دمعت عيناي من شدة الموقف والمنظر .. ناديته : فيصل من الذي أتى بك في هذا الوقت ؟
ولماذا لم تلبسان لباس يقيكم من البرد ؟ .. أمسكتهم وأخذتهم معي إلى غرفة المكتبة .. أخذتهما وخلعت الجاكيت الذي ألبسه وألبست الصغير ..
أعدت السؤال على فيصل .. ما الذي جاء بك للمدرسة في هذا الوقت المبكر ؟ ومن الذي أحضركما ؟
فقال ببراءة : لا أدري من أحضرنا السائق هو الذي أحضرنا !!
قلت : أين والدك ؟
قال : والدي مسافر إلى الرياض والسائق هو الذي يحضرنا للمدرسة بغياب أبي ..
قلت : وأمك وكيف ألبستكما هذه الملابس الصيفية في هذه الأجواء ؟
لم يجب فيصل وكأنني طعنته بسكين، ثم ألتفت ألي صالح أخوه وقال لي : أمي يا أستاذ في بيت جدتي ..
قلت : في بيت جدتك ولماذا تركتكم ومنذ متى ؟
ثم ألتفيت إلى فيصل وقلت : هل صحيح ما يقوله صالح ؟
قال : نعم يا أستاذ منذ زمن أمي عند أهلها، أبي طلقها وضربها وذهبت وتركتنا، ثم بكوا جميعاً ..
هدأتهم وأنا أشعر بمرارة العذاب، وخشيت أن يفقدان الثقة في أمهما أو أبيهما وقلت : والدتكما تحبكما أليس كذلك ؟
قال فيصل : نعم وأنا أيضاً أحبها وهي تحبنا، ولكن أبي وزوجته لا يشعرون بنا، وبدأ يبكي بكاءً مراً ..
قلت له : ما بهما، لا ترى أمك يا فيصل ؟
قال : لا يا أستاذ لم أراها منذ زمن أنا يا أستاذ مشتاق لها أريدها ..
قلت : ألا يسمح لكما والدكما بالذهاب إلى أمك ؟
قال : والله منذ أن تزوج ونحن لم نراها، لم نراها منذ زمن ..
قلت : يا فيصل زوجة أبيك مثل أمكم وهي تحبكم .. فقاطعني قائلاً : لا والله يا أستاذ لا يوجد مثل أمي، هذه تضربنا ..
قلت : ومن يتابعكم في الدراسة ؟
قال : لا أحد ..
قلت : ومن يجهز لكم الملابس والطعام ؟
قال : الخادمة .. وفي بعض الأحيان أنا أجهز ملابسي
وملابس أخي صالح ..
والله بدأت عيناي بالدموع فلم أحتمل أن أسمع أكثر من معاناتهما .. فحاولت أن أرفع من معنوياتهم ..
قلت : أنت يا فيصل رجل ويعتمد عليك .. بدأ يبكي ويقول : لا أدري يا أستاذ هل أمي حية أم ميته لا أدري ..
فقلت : يا الله ما ذنب الصغيرين ما ذنبهما .. أي قلب يحمل هذا الأب حتى يكون ضحية خلاف أسري وطلاق وفراق ..
أين الرحمة والدين ؟ .. بل أين الإنسانية ؟ .. أسئلة وأسئلة ظلت حائرة في ذهني .. جمعت معلومات عنهما وعن والدتهما وبحثت عنها فأتضح أنها تسكن في الرياض .. فسألت المرشد الطلابي عن والد فيصل ..
فقال : كتبنا له مراراً وتكراراً لكن للأسف لم نجد تجاوب منه .. أتصلت به لكن لا يتجاوب فهو كثير الأسفار والرحلات .. بعد محاولات جاهده حصلت على هاتف أمه .. فأخبرت فيصل بذلك .. تفاجأت منه إذ به يقوم مقدم علي مسرعاً ويقبض على يدي اليمنى ويقبلها ويقول لي :
تكفى يا أستاذ تكفى أنا مشتاق لرؤية أمي .. لكن أرجوك لا تخبر أبي فيضربنا لا تخبره ..
فقلت له : ستكلمها بإذن الله .. لكن بشرط أن تجتهد في دروسك ..
قال : إن شاء الله .. لكن دعني أسمع صوت أمي ..
فا أتصلت في الساعة العاشرة فردت علي إمرأة كبيرة في السن ..
قلت : لها أم فيصل موجوده ؟
قالت : ومن يريدها ؟
قلت : هذه مدرسة فيصل وأنا معلمه ..
قالت : أنا جدته يا ولدي ماذا عن فيصل وصالح ؟
ما أخبارهم ؟ حسبنا الله ونعم الوكيل .. حسبنا الله على من كان سبب في هذا الحرمان .. حسبنا الله على من حرمها ..
هدأتها وعرفت منها بعض معاناة أبنتها .. جاءت أم فيصل المسكينة مسرعة حدثتني وهي تبكي بكاءاً ..
وهي تقول : أستاذ كيف هم بشرني الله يبشرك بالجنة ؟
قلت لها : أطمئني .. لم أسمع إلا بكائها ونشيجها وأنينها ..
قالت : وهي تحاول كتم العبرات أستاذ طلبتك أريد أن أسمع صوتهم
أين هم .. والله منذ خمسة أشهر لم أسمع أصواتهم !!؟
فقلت في نفسي .. يا الله أين حق الأم .. أي قلب يحمله هذا الأب ..
قلت : أبشري ستكلمينهم باستمرار لكن أرجو أن تساعديني في رفع من حزنهم .. أنهم بجانبي وستسمعي أصواتهم ..
وعلينا أن نخبر والدهم بمستواهم .
قالت : والدهم سامحه الله كنت له نعم الزوجة لكن ما أقول إلا سامحه الله .. فأسرع فيصل وقد علم أني أحدث أمه فسحب السماعة مني ..
وقال : أمي .. فتحولت المكالمة إلى بكاء فيصل يبكي وأمه تبكي وأنا أبكي .. تركته بفرغ ألماً ملئ فؤاده .. وشوقاً سكن قلبه .. ثم جاء دور صالح في المكالمة .. الطفل الصغير فكان حديثها معه قصة أخرى .. ولم أسمع من صالح إلا البكاء والأنين بل كان بكاءاً وصراخاً من الطرفين .. ثم أخذت السماعة منه وكأنني أقطع قطعة من جسمي ..
فقالت : سأدعو لك ليلاً ونهاراً لكن لا تحرمني من فيصل وأخيه أرجوك .. ولا تخبر والدهما ..
فتأمل يا أخي .. وتأملي يا أختي : كم أحدث الطلاق من مأساة ومأساة .. وكم من ضياع يحدثه الطلاق ..
مفرغ من
إصدار روائع العبر 1000 دقيقة شيقة
جوال الخير
@Jawalk1
00966558118112
التعليقات 0